خطوات عملية للاحتفاظ بأبناء أسوياء بعد الطلاق..
لقد أباح الله تعالى الطلاق
إذا استحالت العشرة بين الزوجين، وباءت محاولات الإصلاح
جميعاً بالفشل، وأصبحت المفاسد والأضرار المترتبة عليه
أقل من الأضرار الحاصلة إذا استمرت رابطة الزوجية مع
وجود المشاحنات والنزاعات المستمرة، ولكنه يظل بغيضاً
إلى النفوس، ولعل من أهم أسباب ذلك هو تأثيره على نفسية
الأبناء، الذين هم معقد آمال الأمة وجيل المستقبل، فمهما
كان تأثيره شديداً على الزوجين فلن يكون بفداحة تأثيره
على الأطفال الذين سيرثون علّة نفسية متمكنة، واضطراباً
عاطفياً خطيراً، إن لم ينتبه الوالدان لتلافي آثاره منذ بداية وقوعه.
وإن من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الوالدان
أو أهلهما في حالة الانفصال هي: ذكر الأب
أو الأم للطرف الآخر بسوء أمام الأبناء،
ومحاولة إلقاء اللائمة عليه في وقوع الطلاق
وانهدام الأسرة وضياع الأبناء.
إن الطفل يفهم أن مجيئه إلى الدنيا ووجوده فيها
يسعد والديه، ويشعر بشكل فطرى أنه قطعة من
كل منهما، وكلاهما يتمتع عنده بمركز القدوة ومكانة
المثل الأعلى، فإذا حاول أحد أن يقنع الطفل أن
أباه مليء بالعيوب؛ فلابد أن الطفل سيقتنع أنه
شخصياً يحمل هذه العيوب وتلك النقائص؛لأن
الولد كوالده تماماً وكما تكون أخلاق الوالد تكون
أخلاق وصفات الابن..هذا ما يعرفه الابن جيداً،
ونفس الأمر بالنسبة للأم التي إن فقد الطفل
ثقته بها بمحاولة الطرف الآخر؛ يفقد
الإيمان بنفسه وبكل امرأة بعد ذلك.
ولنسأل أنفسنا سؤالاً: ماذا يمكن أن يستفيد الطفل
إن علم أن أباه سيء الخلق وأنه هو السبب في
وقوع الطلاق باستهتاره وسوء خلقه؟
إن مستقبل الطفل لن يضاء بسماعه الاتهامات
لأبيه من أمه وعائلتها باستمرار،
فإهانة أبيه هي إهانة له عاجلاً أم آجلاً،
تحطم المثل الأعلى بداخله وتجعله يحتقر
نفسه لأن أسرته بهذه الصورة.
والطفل ليست لديه المقدرة على فهم الأسباب
الخفية التي صنعت هذا الجو الخانق الذي
أصبح يعيش فيه أثناء الخلافات بين والديه
ثم بعد وقوع الطلاق، وكل ما سيفعله هو أن
يفقد الإحساس بالأمان، ويشعر أنه يواجه كارثة
سببها الحقيقي أن الكبار فقدوا القدرة على إدارة
الحياة بنجاح.
فإذا كان الطلاق قد وقع بالفعل فلماذا لا نقلل الخسائر
والسلبيات بقدر الإمكان؟
وهذه بعض الخطوات العملية للاحتفاظ بأبناء
أسوياء بعد الطلاق:
1- يجب ألا يقف الطلاق عائقاً في سبيل تكوين
أحاسيس الحب والاحترام في قلوب الأبناء لآبائهم
وأمهاتهم.
2- لابد من إيجاد صيغة للتفاهم حول كيفية
رعاية الطفل منذ البداية وعبر مراحل حياته
المختلفة، ويكون ذلك بالاتفاق والتنسيق بين
الوالدين، فمثلاً قد يتطلب حدوث مشكلة للطفل
داخل المدرسة وجود الأب أكثر من الأم، وقد يتطلب
مرور الطفل بظروف صحية وجوده مع الأم لتباشر
رعايته والاعتناء به، وهكذا.. لأن الطفل يحتاج لرعاية
والديه ولا يغنى قيام أحدهما بدوره عن دور الطرف الآخر.
3- لابد من مصارحة الابن وعدم إخفاء حقيقة الطلاق،
أو إعطاء الطفل الأمل بأن هذا وضع مؤقت، حتى لا ينتظر
أو يأمل في عودة الأمور إلى طبيعتها، ولكن يجب أن يدرك
أن هذا الوضع نهائي.
4- التأكيد ثم التأكيد أولاً وأخيراً- مع التكرار
والتوضيح- على معنى الحب الذي تكنونه له،
وأنه أهم شيء عندكما، وأن مصلحته مقدمة على كل شيء.
5- التأكيد على معنى الاحترام والثقة الذي يكنه كل من
الأبوين للآخر رغم حدوث الانفصال، مثال
:" أنا أثق في والدك وفى حسن رعايته لك" وكذلك الأب عليه أن يؤكد نفس المعنى في المواقف المشابهة، وطبعاً لابد
هنا من الصدق؛ لأن الأطفال لديهم حساسية شديدة
ضد الكذب والنفاق، فلابد أن يكون الوالدان صادقين
في إرساء هذه المشاعر، والتعامل بطريقة راقية كأب وكأم.
6- إبعاد الطفل تماماً عن أي نوع من المشاكل قد
يحدث بين الوالدين، كما لا ينبغي أن يستغل الابن كورقة
ضغط من أحدهما تجاه الآخر، وكذلك إبعاده عن أية تعليقات
سيئة أو كلام غير مقبول قد تقوله أطراف أخرى مثل الأجداد
أو الأعمام أو الخالات؛ لأنكما في النهاية والده ووالدته،
ولا يمكنه أبدًا الاستغناء عن أحدكما..فلا تضعاه أبداً في هذا الصراع.
7- لابد أن يستشار الأب- ولو بشكل اعتباري –
في المسائل المتعلقة بمستقبل الابن ودراسته
إن كان الطفل يقيم مع أمه؛ ليعلم أن له دوراً في
تخطيط حياة ولده، وليعلم الطفل أيضاً أن له أسرة
متكاملة تبحث شئونه حتى وإن كان طرفاها مفترقان،
وفى حالة مرض الطفل يجب أن يخطر والده و يأتي لزيارته.
8- أبعد اللقاء تماماً عن الأماكن التعيسة كالمحكمة
ومراكز وأقسام الشرطة، ويمكن أن تكون زيارة الطرف
الآخر للطفل على شكل الذهاب لمتنزه، أو ناد، وبعد ذلك
يمكن أن يتطور الأمر في السن الأكبر، فيمكن أن يقضى
الطفل مع الأب ليلة كل أسبوعين مثلاً، كما يمكن أن يقضي
جزءاً من إجازته الصيفية .
9- التنسيق بين أقارب الزوج والزوجة ضروري
لمصلحة الأبناء.
10- لا توظف أولادك عملاء أو موظفي بريد
يحضرون أخبار الطرف الآخر ويصفون لك الحال
والمكان، فإنك وإن أرضيت وأشبعت فضولك والتفاتك
إلى الوراء بهذا التصرف، إلا أنك تكون في الوقت
نفسه قد أرسيت أخلاقاً بالغة السوء في نفس
ابنك مثل النميمة والتجسس.
11- لا تنجَرَّ مع الطفل إذا حاول مقارنتك مع الطرف
الآخر بشكل سلبي، ولا تحاول الدخول في منافسة مع الطرف
الآخر على قلب ولدك، بل يحاول كل منكما أداء دوره على أكمل
وجه ثم يترك للولد تكوين الانطباع الشخصي عنه.
12- قد تشعر أن ابنك قد تشوش بعد الانفصال بسبب تغير
منطقته السكنية أو مدرسته وأصدقائه، وهذا أمر طبيعي
فلا تتوقع أن يتكيف الابن بسرعة ولكن أعطه الوقت الكافي
وحاول مساندته والتعاطف معه.
13- كن متأكداً من أنك لا تفرط في تدليل ولدك بسبب
الوضع الجديد الذي أصبح يعيش فيه، فإن الانفصال لا يعد
مبرراً مقبولاً للمبالغة في التدليل التي قد تفسد تربية الولد،
فلا تتسامح مع أي أسلوب خاطئ تراه في سلوك الأبناء
وكن مستعداً لرفض كل أنواع الابتزاز العاطفي، ولا تحاول
شراء عواطف أبنائك فإنه أسلوب خاطئ.
14- على الطرف الآخر الذي لا يعيش مع الأبناء
أن يكون دائم الاتصال بهم هاتفياً أو على البريد الالكتروني..
هذا بالإضافة إلى مقابلتهم بصفة دورية؛ حتى يستشعر
الطفل استمرارية العلاقة بينهما وأنه قريب منه ويشاركه حياته .
15- أكّد للأبناء مراراً وتكراراً أن الانفصال ليس
بسببهم أو نتيجة أخطائهم؛ إنما حدث لاستحالة العيش
مع الطرف الآخر الذي يختلف عنك في الطباع والتفكير.
وأخيراً..
تذكري أنه بإمكانكما إعطاء الابن حياة سعيدة ومستقرة- رغم الانفصال- لو صدقت نياتكما و بذل كل منكما جهده الإيجابي في سبيل تحقيق ذلك الهدف.
مع أطيب أمنياتى